
كانت الشهور الأولى لي في غوتينغن رائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. تركّز جهدي في البداية على استخراج الإقامة والاستقرار للدراسة، وكنت متحمسًا جدًا لبدء فصل جديد في حياتي العلمية. تعرفت على عدد من الطلاب الألمان وطلاب من جنسيات اخري وعدد من السودانيين الذين كانوا ودودين و منفتحين، مما ساعدني على الاندماج السريع والشعور بالراحة.
بدأت أكتشف المدينة والمدن المجاورة مثل كاسل، مستخدمًا وسائل المواصلات العامة للتنقل والتعرف على معالمها. كان تركيزي الأكبر على المتاحف والأنهار، فأنا أعشق الماء والمناطق المحيطة به، وغالبًا ما أركب القوارب في كل فرصة سانحة. وكما قيل:”ثلاثة تزيل الحزن: الماء، والخُضرة، والوجه الحسن
“أولى خطواتي نحو العمل : منذ لحظة وصولي إلى ألمانيا، بدأت في البحث عن وظيفة. حصلت على كتيب يضم قائمة بأغلب الشركات الموجودة في غوتينغن، فقمت بإعداد سيرة ذاتية احترافية و خطاب تحفيزي يُعبّر عن رغبتي الجادة في العمل. أرسلت طلبات لعشرات الشركات، وبعد فترة، تلقيت اتصالًا لإجراء مقابلة مع إحدى الشركات في مجال تقنية المعلومات، وكان العرض مغريًا والراتب جيدًا.أجريت المقابلة بنجاح، وتم وعدي باستلام الوظيفة خلال أسابيع قليلة. شعرت أن الأمور بدأت تسير في الطريق الصحيح، وأن الاستقرار اصبح قريب المنال بدأ يتحقق
العقبات والمطبات
لكن، وكما هو الحال دائمًا، لا طريق بلا مطبات. بدأت أواجه مضايقات في السكن، وشعرت بأن هناك اختراقًا ما حدث، ربما من بعض الجهات المرتبطة بالأمن السوداني. وازداد يقيني بأن هناك أطرافًا أخرى – لها يد في هذا التلاعب والضغط علي بخصوص مستقبلي, ولهذا قصة طويلة اخري عسى ان ارويها
وأود هنا أن أوضح: لست ممن يحملون عقلية الضحية، بل أعتز بكوني اشكل ازعاج للطغاة , رغم اني يوما ما سعيت لاكون سياساً -فانا اؤمن ان التغيير الاجتماعي هو الاساس، الذين لا يملكون إلا الغدر وسلاح الخيانة، مستغلين ضعاف النفوس.
انتكاسة صحية ووقفة مع الذات
رغم كل التحديات، كنت لا أزال متمسكًا بحلمي في إكمال دراستي والاستقرار. لكنّي تعرّضت لـ تسمم غذائي حاد، أدى إلى تورم شديد في جسدي وإعاقات جسدية استمرت قرابة خمسة أشهر. كانت فترة صعبة ، لكن لا تقارن ما اصاب السودان والسودانيين والنكبة التي منو بها
فقد حظيت أيضًا بـ جولة أوروبية جميلة بداءت باريس-
ثم اسبانيا مدريد-برشلونة
ثم عدة حواضر اروبية اخرى
وهي تجربة احسبها غنية ومفيدة. وربما تأجّل حلمي بدراسة علوم الرياضيات، لكني مؤمن أن كل تأجيل يحمل في طياته خيرة خفية.كنت في البداية أسعى لأصبح أكاديميًا وأستاذ رياضيات، لكن الله وجهني إلى طريق آخر أكثر اتساعًا، طريق التأثير والعمل العام.
هو دور أكبر من قاعة محاضرات، وأن عليّ المساهمة في التغيير الحقيقي، لا سيما ونحن نرى بلادنا تُنهب وتُدمر على أيدي طغاة لا يملكون مشروعًا إلا الخراب.
فلصنع مستقبل يليق بنا ، لا بد من نبذ ضعفنا الجماعي وخضوعنا الطويل للأنظمة القمعية التي أوصلتنا إلى الهاوية. لكنّي مؤمن بأننا نعيش لحظة فارقة، وأن سقوط الطغاة الذي بدأ في بعض الدول ولم يكتمل ليس لا بداية,كذلك تقول سنن التاريخ في الثورات تنجح على مراحل ، وما تبقى إلا مسألة وقت.
فقط علينا أن نخرج من حالة السلبية، وأن نكون فاعلين لا متفرجين، وأن نمنعهم من أن يجرّوا أوطاننا معهم إلى القبر
دوما هناك افق جديد , وهدف وحلم بانتظارك , وكما قال لي صديقي يوماُ قال الله قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ , فقال لنا لا علينا